حصل تنافس بين الاخبارية المنتشره آنذاك وهم الذين لا يقبلون إلا بالتشريع السماوي وبين الاصولية أصحاب المسلك العقلي وهم الذين يجيزون التشريع العقلي لكل مجتهد بناء على أصول عقلية من أبداعاتهم الخاصة ونتج عن ذلك صراع كلامي بين الفريقين بالدليل والبرهان فكان الانتصار دائما للاخبارية بسبب حججهم القوية لذلك قرر الاصوليين الانتقام منهم بأي وسيلة كانت حتى لو بالتصفيات والقتل وهذا ما قام به البهبهاني وكاشف الغطاء الاصوليين ضد يوسف البحراني والشيخ محمد ميرزا الاخباري والكثير من الاخباريين الذين ذهبوا ضحايا بسبب تصفياتهم
تصفيات البهبهاني للاخبارية :
لقد كان مسلك الاخبارية في ذلك الوقت كمسلك الكليني والصدوق وهم الذين كانوا ياخذون بما قاله النبي وأهل بيته الطاهرين ولكن الاصوليين يريدون التحرر من ذلك بحجة التقدم والانفتاح فأخذوا بالاجتهاد والتشريع العقلي فيما لم يعلموا من احكام لذلك كان البهبهاني مجتهد صرف يقول برأيه كما قال الميرزا الاخباري .
البهبهاني قام بجرائم قوية ضد من التزم بالقرآن والعترة و لكي يحقق هدفه الشيطاني هذا استغل بعض النصوص التي كتبها الشيخ يوسف البحراني في كتبه ضد دولة العجم فقام بالوشاية به إلى الامراء في مدينة كربلاء الخاضعة للبلاط الايراني في ذلك الوقت حيث اعتبر صدور ذلك منه مساساً بهيبة السلطان وسلطتها و طعناً بمقام الباب العالي في ايران واتهامه بالفساد والعبث بأحكام الشريعة على وفق أهوائهم فاقترح عليهم الإنتقام منه وإسقاط نفوذ مرجعيته وإذلاله وإذلال أتباعه ومقلديه تنفيداً لمآرب شخصية في نفسه كان يضمرها للوقوف في وجه المدرسة الأخبارية فوافقوه على طلبه .
ووضعوا تحت تصرفه قوة عسكرية لكي يقضي على الشيخ يوسف البحراني وراح يسعى لتحقيق اهدافه وهى :
1- القضاء على التشريع السماوي الذي يعتمهد القرآن والعترة فقط والانتصار للتشريع العقلي الذي يجعل المجتهد مشرع للاحكام
2- القضاء على خصمة الشيخ يوسف البحراني واضهاده ومنعه من القاء درسه والصلاة في الحرم الحسيني واحتلال مكانه
3- طريقة التصفيات اسرع طريقة لكي ينتصر لمسلكه الاصولي .
( فاصطحب الجند أول ما بدأ حربه الى الحرم الحسيني الشريف ودنسه باقتحامه معهم وأصدر أوامره بتعطيل مجلس درس الشيخ يوسف تحت وطأة تهديد السلاح ثم أخذ يصرخ بالناس بأنه حجة الله على العباد وأن على جميع طلبة الشيخ يوسف حضور درسه الذي سيعقده من على كرسي إفادته من الغد وبالقوة الجبرية . وقام بنشر العيون والجواسيس في مدينة كربلاء لإعتقال كل من يجرؤ على مخالفة أوامر البهبهاني بعد فرض الإقامة الجبرية على الشيخ يوسف في داره ومنعه من صلاة الجماعة واصدار أمر بتحريم الصلاة خلفه . قام بنشر الإرهاب والذعر في جميع أنحاء مدينة كربلاء والمدن والقرى المجاورة لها بالإعتقال والقتل والتهديد والوعد والوعيد لكل من يخالف أو يظهر ولاءه للشيخ يوسف ودفاعه عنه ،
و قد كان لمثل هذه الإجراءات أكبر الأثر من طمس الكثير من الحقائق التاريخية خشية من سطوته وجبروته وبطشه . وخيم على مدينة كربلاء جو رهيب من الإرهاصات النفسية والشائعات التي تندد بالفكر الأخباري وتصفه بالإنحراف والمروق والبعد عن الدين ومذهب الشيعة الإمامية وتسخف مبانيه وقد تجاوزت مواقف البهبهاني أبعاداً خطيرة وتعدى حدوداً بالغة الشناعة والفضاعة والفضاضة كما أشار اليه سعد الأنصاري في كتابه (الفقهاء حكام على الملوك ) حيث يقول : استخدم العلامة البهبهاني سلاح العنف والعلم والتوعية في مطاردة فلول الأخباريين ولا سيما بعد أن أفتى بتكفيرهم ، وكان يرافقه حرس خاص خلال تنقلاته من مدينة إلى أخرى لمطاردتهم وتصفيتهم إذا تطلب الأمر ذلك . وهذا ما ذكره أحد تلامذته وهو الشيخ جعفر النجفي أو الشيخ جعفر كاشف الغطاء مؤلف كتاب ( كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ) في الرد على مزاعم الأخبارية وتفنيد آرائهم الذي صار من كتب الفقه المتداولة في كل من العراق وايران خلال العهد القاجاري . إن تصدي العلامة البهبهاني . ) الشيخ محسن العصفور .
تصفية الشيخ ميرزا الاخباري :
الشيخ محمد ميرزا الاخباري عالم أخباري كبير جدا وله الكثير من المؤلفات والمصنفات التي رد فيها على الاصولية واستطاع أفحامهم وكان بينه وبين مرجع الاصوليين الشيخ موسى كاشف الغطاء مناظرات استطاع فيها هزيمته بالححج والبراهين الدامغة فدبر كاشف الغطاء خطة شيطانية أستطاع بها أصدار فتوى تجيز بقتله يقول فيها من يقتل الشيخ محمد الاخباري سيتقرب الى الله بذلك ويذهب الى الجنة وقد وقع على هذه الفتوى بعض المراجع الاصوليين وأيدوه في ذلك فهجم عليه عوام الشيعة المغفلين تنفيذا للفتوى وقتلوه في داره وحزوا رأسه ثم صلبوه ثلاثة أيام وشردوا أولاده ونسائه وعائلته وكان ذلك عام 1133 هـ
ما هو الحكم في هذه الجرائم :
إذا الاصولية قتلوا علماء الاخبارية وألكثير من الناس بسبب الإيمان بالقران والعتره الطاهرة وهو ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وبما انهم قتلوهم ولم يقابلوا الحجة بالحجة وسفكوا دمائهم بدون وجه فقد دل هذا على ضعف حجتهم لذلك لم يروا بدا من القتل وسفك الدماء لارهابهم والتخلص منهم نهائيا فكأنه ضميرهم الذي لا يريدون سماعه إذا كان لهم ضمير . ولكن على أي حال بعد هذه الجرائم ما هو حكمهم عند الله تعالى
يقول الشيخ الصدوق في (التهذيب): بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قول الله عز وجل: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) ، قال: «من قتل مؤمنا على دينه ، فذلك المتعمد الذي قال الله عز وجل في كتابه: (وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً)». قلت: فالرجل يقع بينه وبين الرجل شيء فيضربه بسيفه فيقتله؟ قال: «ليس ذلك المتعمد الذي قال الله عز وجل». التهذيب ج10
وعنه: بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي السفاتج ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قول الله عز وجل: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) ، قال: «جزاؤه جهنم إن جازاه». التهذيب ج10 ص165
وعنه: بإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، وابن بكير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا ، أله توبة؟
فقال: «إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له ، وإن كان قتله لغضب أو لسبب شيء من أمر الدنيا فإن توبته أن يقاد منه ، فإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم ، فإن عفوا عنه ولم يقتلوه أعطاهم الدية ، وأعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، وأطعم ستين مسكينا توبة إلى الله».
الخلاصة :
نلاحظ أن القتل بسبب الايمان جزاءه جهنم والعذاب الأليم وليس له توبه كما في روايات الطاهرين . وبهذه الجرائم ظل الاصوليين يجتهدوا و يشرعوا أحكاما بالعقل فما وافق العقل يوافق الشريعة كما يقولون وانتشروا بعد ذلك في الأرض . وانزوى خصومهم الاخبارية الذين قالوا قال الله وقال رسوله والأئمة الطاهرين في اماكن مختلفة وقليلة في العالم
تعليقات
إرسال تعليق