المجتهد هو الذي لا يعلم الحكم أساسا فيجتهد لكي يستخرج حكم من خلال فهمه وأفكاره وأصوله ونظرياته التي يعتمد عليها وقد تكون هذه الاصول والنظريات من ابداعاته الخاصة وقد يخترع منها دليلا على رأيه الظني الذي رآه فيكون هذا هو حكمه أو فتواه . والمجتهد ليس معصوما بل هو يخطأ ويصيب في أحيانا أخرى . فماذا يكون جزاءه إذا أخطأ في الحكم وخرب الدين وسار على فتواه الملايين ؟ المحقق الحلى أجاب على هذا السؤال قائلا ( وأما أن تفتقر إلى إجتهاد ونظر، ويجوز اختلافه بختلاف المصالح ، فإنه يجب على المجتهد أستفراغ الوسع فيه فإن أخطأ لم يكن مأثوما ) الاصول للمحقق الحلي ص181 .
وبذلك أتخذ المحقق الحلي لنفسه وللذين اتبعوه إلى الآن العذر في ذلك بلا دليل من الكتاب والسنة المتمثلة في النبي وأهل بيته الطاهرين سوى الاجتهاد نفسه المتمثل في الاستحسانات العقلية والقياس وغيرها . ولكن لو تتبعنا أراء العلماء من قبله لوجدنا أن هذا الرأي موجود عند بعض العلماء المخالفين ومنهم
أبن قدامة الذي ولد قبل المحقق الحلي بـ 61 سنة وتوفى قبله بـ 56 سنة وقد قال في ذلك ( المجتهد في الفروع إما مصيب وإما مخطئ مثاب غير مأثوم ) روضة الناظر لأبن قدامة ج1 ص 383
ومنهم الرازي الذي سبق المحقق الحلي بـ 100 سنة فقال ( إن المخطئ هل يستحق الإثم والعقاب أم لا ؟ فذهب بشر المريسي من المعتزلة إلى أنه يستحق الإثم والباقون أتفقوا على أنه لا يستحق ) المحصول للرازي ج6 ص35-36
وبذاك يتبين أن المحقق الحلي قد استنسخ ما قاله علماء المخالفين في ذلك وأدخله إلى مذهب التشيع دون الألتفات لما قاله القرآن الكريم والنبي وأهله بيته الطيبين الطاهرين في ذلك .ولكن هذا التبرير لا ينفعه في شئ أمام الآيات القرانية التي تنهى عن القول بدون علم . وتنهى عن الحكم بغير ما أنزل الله تعالى وتصف من يفعل ذلك بالكذب وتتوعده بالعذاب الأليم .
قال تعالى ينهى عن الحكم بالخطأ في سورة المائدة آية 44 ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) وفي آيات أخرى من نفس السورة تصفهم بالفاسقون والكافرون فالذين يكذبون على الله في أحكامهم في حال الخطأ إما ظالمون أو فاسقون والكافرون هم من لا يؤمن بالاسلام .
وفي آية أخرى قال الله تعالى ينهى عن القول بلا علم ويأمر بالتوقف في حالة عدم العلم في سورة الاسراء آية 36 ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسوؤلا ) فهنا الآية عامة سواء مجتهد أو غير مجتهد إذا قال أحدهم حكما عن الله تعالى بدون علم سوف يسأل عن ذلك ويحاسب فإن دين الله لا يصاب بالضنون والاوهام بل لابد من العلم واليقين أوالتوقف والاحتياط . فلو كان الاجتهاد جائز وغير مأثوم فاعله عند الله تعالى لكان النبي أولى به ولكن ورد عنه عليه الصلاة والسلام التوقف في المسائل حتى يأتيه الحكم من الله تعالى كما في قصة سورة المجادلة عندما توقف حتى أتاه حكم الذين يظاهرون نساءهم فاستدعى المرأة والرجل التي حدثت لهما هذه الحادثة وأخبرهما بحكم الله تعالى .
والقصة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن امرأة من المسلمين أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت له: يا رسول الله ، إن فلانا زوجي قد نثرت له بطني ، وأعنته على دنياه وآخرته ، فلم ير مني مكروها ، وأنا أشكوه إلى الله عز وجل وإليك. قال: مما تشتكينه؟ قالت له: إنه قال لي اليوم: أنت علي حرام كظهر أمي ، وقد أخرجني من منزلي ، فانظر في أمري. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أنزل الله علي كتابا أقضي به بينك وبين زوجك ، وأنا أكره أن أكون من المتكلفين فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ، وانصرفت ، فسمع الله عز وجل محاورتها لرسوله (صلى الله عليه وآله) في زوجها وما شكت إليه ، فأنزل الله عز وجل قرآنا (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ واللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) ... من تفسير البرهان للبحراني تفسير سورة المجادلة
وقال تعالى في التحليل والتحريم بدون علم في سورة النحل آية 116 ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) هذه الآية عامة سواءا مجتهد أو غير مجتهد تصف من يقول بغير علم في الحلال والحرام بأنه يكذب على الله تعالى ثم قال سبحانه بأنهم لا يفلحون أي لا عذر لهم و مأثومون في ذلك
وقال الله تعالى في سورة الزمر آية 66 ( ويوم القايمة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة إليس في جنهم مثوى للمتكبرين ) هولاء الذين وضعوا أنفسهم مع الله فاخذوا يقولون في الحلال والحرام ويضادون الله في ذلك بلا خجل أو خوف منه سبحانه فحتى الرسل والانبياء والأئمة المعصومين لا يقولون من تلقاء أنفسهم وأنما يقولون عن الله تعالى لما أطلعهم على ذلك أما هولاء المجتهدين فهم يقولون من تلقاء أنفسهم حينما وضعوها في مكان كبير وصاروا يحللون ويحرمون بدون وجه حق فالويل لهم إذا قالوا على الله الكذب ، قال أبوجعفر عليه السلام: ( من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث احل وحرم فيما لا يعلم.) الكافي ج1 ص58
وقال تعالى فيمن أجتهد وصار يقول في الحلال والحرام ثم أخطأ في سورة يونس آية 59 ( قل أريتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله أذن لكم أم على الله تفترون ) في هذه الآية يحللون ويحرمون بأجتهادتهم بدون إذن من الله تعالى وهذا يدل على أن الاجتهاد غير جائز لأن الاجتهاد يكون في مسائل الحلال والحرام والله لم يأذن لهم بذلك وإنما هم يكذبون
هذه الآيات التي ذكرناها عين ما قاله الأئمة عليهم الصلاة والسلام ففي رواية عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن مثنى الحناط ، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها ؟ فقال: لا، أما إنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل.) الكافي ج1 ص56
يتبين من هذه الرواية أن أبو بصير هو عالم جليل يعتمد عليه الامام في التبليغ للناس في مناطق أخرى جاء إلى الإمام عليه السلام فقال هناك أشياء لا نعرفها في الكتاب والسنة ولم يقل غير موجودة يقصد من ذلك أنها موجودة في الكتاب والسنة ولكن لا نعلمها قال تعالى ( ما فرضنا في الكتاب من شئ ) ثم قال:أفتأذن لنا في هذه الحالة بالاجتهاد والنظر فقال له الامام لا ووضح له سبب هذا المنع فقال : إن أصبت الحكم لا تأجر وإن أخطات كذبت على الله تعالى
والامام عليه السلام يعلم أن أبو بصير لو أجتهد بالنظر فأخطأ فهو غير متعمد ومع ذلك وصف الامام عليه السلام هذا الخطأ بالكذب على الله عز وجل وهذا مما يستوجب العقاب الأليم بل وحتى لو أصاب الحكم عن طريق الاجتهاد لا يؤجر على ذلك ، لذلك فالمجتهد يضيع وقته بلا طائل . وهذه الرواية واضحة وصحيحة السند حسب علم الرجال الاصولي وهذا ما وضحه المحقق الخوئي في كتابه معجم رجال الحديث ج1 ص 19
والواقع عندما قال المحقق الحلي رأيه السخيف أعتمد في ذلك على مثال أخذه من المخالفين لأهل البيت عليهم السلام جعله دليلا على أن المجتهد معذور ولا أثم عليه إذا أخطأ وهو قوله ( الاحكام الشرعية تابعة للمصالح ، فجاز أن تختلف بالنسبة إلى المجتهدين ، كا أستقبال القبلة ، فإنه يلزم كل من غلب على ظنه أن القبلة في جهة أن يستقبل تلك الجهة - إذا لم يكن له طريق إلى العلم - ثم تكون الصلوات مجزية لكل واحد منهم ) معارج الاصول للمحقق الحلي ص181 -182
ويرد عليه من كلام الامام الصادق عليه السلام فقد ورد عن الشيخ الطوسي عن الخراش عن بعض أصحابنا قال: قلت له جعلت فداك إن هولاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت علينا أو أظلمت علينا فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد فقال : ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأريع وجوه ) الاستبصار للشيخ الطوسي ج1 ص 295 . ومن هذه الرواية نستشف أيضا أن الاجتهاد غير جائز لأن الامام لم يوافق عليه في هذه الرواية بدليل قوله ليس كما يقولون وأمرهم بالاحتياط
وبهذا يتبين بطلان الاجتهاد فالمجتهد لا يؤجر إذا أصاب وإذا أخطأ في أصابة الحكم كذب على الله تعالى وأصبح مأثوما كما بينت الأيات القرانية والأحاديث الواردة عن النبي وآله الطاهرين وما هذا التهافت على منصب الاجتهاد إلا من أجل الدنيا والزعامة الدينية رغم أنه بدعة ومأثوم فاعله إذا أخطأ ولكن لاجل الزعامة أخذوا يرقعون فيه لتحليلة بلا فائدة قال تعالى ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) وعن محمد بن جمهور رفعه قال: قال رسول الله: أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة. قيل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: إنه قد أُشرب قلبه حبها. ) وفي رواية اخرى ( عن الفضل بن شاذان رفعه، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار)
تعليقات
إرسال تعليق