القائمة الرئيسية

الصفحات

إفتاء اصحاب الأئمة بالاجتهاد مجرد شبه


يعتقد البعض أن الأئمة عليهم السلام سمحوا لبعض أصحابهم في المناطق البعيدة بالاجتهاد الذي يفضي الى الظن وهو المصطلح المتعارف عليه اليوم عند الفقهاء ولكن الحقيقة غير ذاك وهذا ما سنوضحه من خلال الروايات التي اعتمد عليها هولاء الناس والتي بسببها أشتبهوا فألصقوا هذه المصطلح باصحاب الأئمة عليهم السلام . فهل الأئمة عليهم السلام سمحوا لأصحابهم هولاء بالاجتهاد المفضي إلى الظن كما يحدث الآن ؟ وهل سمحوا بتقليد أصحابهم مع وجودهم عليهم السلام . وهل سمحوا لاصحابهم بالفتوي وأسنادها لانفسهم كما يحدث الآن ؟ سنجيب على هذه الاسئلة من خلال المقال التالي .

الروايتان اللتان برروا بهما الاجتهاد :


الرواية الاولى ( قال لامام الباقر عليه السلام أبان بن تغلب أجلس في مسجد المدينة وفتي الناس فأني أحب أن يرى في شيعتي مثلك )الرواية الثانية ( قوله لمعاذ بن مسلم النحوي : بلغني انك تقعد في الجامع فتفتي الناس قلت : نعم وأردت ان أسألك عن ذلك قبل أن اخرج : إني أقعد في المسجد فيجئ الرجل فيسالني عن الشئ فإذا عرفته بالخلاف لكم اخبرته بما يفعلون ، ويجئ الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم ، ويجئ الرجل لا اعرفه ولا ادري من هو فأقول جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا فادخل قولكم فيما بين ذلك . فقال عليه السلام لي : اصنع كذا فاني كذا اصنع .) الوسائل ج18 ص108

رد شبه الاجتهاد حسب أصطلاح الاصوليون عن أصحاب الائمة :


أولا : أبان بن تغلب من أصحاب الأئمة الخلص وامره الامام بالافتاء لا بمعناه الاصطلاحي المتعارف عليه اليوم وهو الافتاء بالرأي القائم على الاجتهاد والظنون . وأنما بمعنى نقل أحاديث الائمة عليهم السلام واحكامهم فقط . ولم يتجاوز ابان هذا الحد 
ولعل الذي يؤيد ذلك  قول الامام الصادق (عليه السلام) لأبان بن عثمان: إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث فاروها عنه (المعجم ج 1 ص 22.)

 فأبان بن تغلب كان راوية حديث حفظ وفهم عن الائمة عليهم السلام ثلاثين الف رواية يعرف منها احكام الوقائع التي كان الناس يسألونه عنها ويرد ذلك إلى الائمة عليهم السلام لا إلى نفسه كما يفعل الفقهاء اليوم يسندون الحكم إلى انفسهم لأنه من إجتهادتهم الظنية فهم يخلطون شئ من الحق وشئ من أرائهم الظنية القائمة على الاصول العقلية التي يتوصل إليها العقل فيبني على ذلك حكما ظاهريا وكما قال الامام علي عليه السلام (... ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك أستحوذ الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى ) 

أما الرواية الثانية فمسلم النحوي كان ينقل قول الائمة عليهم السلام وأحاديثهم وأحكامهم كأبان  بن تغلب بالضبط ولم يكن يفتي برأيه واجتهاده بل ( قال للامام فأدخل قولكم فيما بين ذلك )أي بين أقوال الآخرين فأين ذلك من الاجتهاد المعروف اليوم الذي يقول فيه كل فقيه برأيه .

ثانيا : أن الأئمة عليهم السلام لم يفوضوا لاصحابهم الإفتاء بما يفضي إلى الظن خاصة مع توفر النصوص و وجود الامام عليه السلام بين أظهرهم فما الحاجة إلى الاجتهاد بما يفضي إلى الظن وحكم الله الحقيقي موجود عن طريق الامام عليه السلام .

ثالثا : الامام عليه السلام حذر أصحابه من الاجتهاد إذا لم يعلموا الحكم الحقيقي للواقعة فعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها؟ فقال: لا، أما إنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل.) الكافي ج1 ص56 . أقول : فلو كان الاجتهاد جائزا لما عطله الامام وحذر منه في هذا الموقف . ومن ناحية أخرى لماذا لم يقل له الامام افعل حتى لا يكون هناك تعطيل للشريعة كما تحتجون دائما يا اصحاب الاجتهاد وتقولون كان اصحاب الأئمة البعيدين يجتهدون لكي لا تتعطل الشريعة فكأنكم أحرص على الدين من الامام عليه السلام الذي حذر ابو بصي من هذا النهج الذي تتبعونه .

وفي رواية أخرى يحذر فيها الامام من الاجتهاد أيضا عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني جعفر، عن أبيه عليهما السلام، أن علياً صلوات الله عليه قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس.)الكافي ج1 ص58


وكذلك عن محمد بن أبي عبد الله رفعه، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام: بما أوحد الله؟ فقال: يا يونس لا تكونن مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيه ضل، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر.)

وفي رواية أخرى قال أبو جعفر عليه السلام: من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم.) كل هذه الروايات تبين عدم الاجهاد والنظر بالرأي أو القياس فكيف يأمرون أصحابهم بما نهوا عنه .

رابعا : أن الائمة عليهم السلام كانوا يأمرون بعض شيعتهم في الاماكن البعيده بأخذ رواياتهم من بعض أصحابهم الخلص الثقات وجملة ( بأخذ رواياتهم ) ضعوا تحتها خطين لأن هذا ليس إفتاء واجتهادات تفضي الى الظن وإنما هي رواية فعن سليم بن أبي حية قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فلما أردت أن أفارقه ودعته، وقلت: أحب أن تزودني، فقال: أتت أبان بن تغلب فإنه قد سمع مني حديثاً كثيراً، فما روى لك فاروه عني ) أي اسنده إلي وهذا معناه عدم التقليد لغير معصوم

خامسا : الأئمة عليهم السلام أمروا أصحابهم بالتوقف والاحتياط عندما لا يتوفر عندهم الحكم حتى يسألوا الامام عن ذلك فلو كان الاجتهاد جائز عند الأئمة ما أمروهم بالوقوف والاحتياط . وهذا خلاف الاجتهاد الذي يعمل به الفقهاء في هذا الزمان فهم يفتون في الشبهات ويقتحمون الهلكات بهذا الاجتهاد المتعارف عليه اليوم وفي هذه الفقرة وردت الكثير من الروايات منها :

 عن ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى جميعا ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن رجلين أصابا صيداً ، وهما محرمان ، الجزاء بينهما ؟ أو على كل واحد منهما جزاء ؟ قال : لا ، بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد ، قلت : إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك ، فلم أدر ما عليه ، فقال : إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط ، حتى تسألوا عنه فتعلموا . الكافي 4 : 391 | 1

وفي رواية اخرى عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال : وإنما الامور ثلاثة : أمر بين رشده فيتبع ، وأمر بين غيه فيجتنب ، وأمر مشكل يرد علمه إلى الله ( وإلى رسوله ) . قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات ، وهلك من حيث لا يعلم ، ثم قال في آخر الحديث : فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات. الكافي 1 : 54 | 10

سادسا : نلاحظ من خلال الروايات التي ذكرنها أن أصحاب الأئمة عليهم السلام لم يسندوا الفتوى إلى أنفسهم بل إلى الائمة عليهم السلام وهو ما يعني رواية لكلامهم وحكمهم عليهم السلام وليس اجتهاد او رأي يقولونه من تلقاء انفسهم . وبهذا فهو لا يعد تقليدا للمفتي وانما تقليد للامام . وهذا خلاف ما يقوم به الفقهاء اليوم يفتي ويقول هذا رأيي فيقلده الناس على ذلك عميانا

سابعا : هل يجوز الامام الاختلاف في الفتوى في الواقعة الواحدة وتكون كلها صحيحة فهل يرضى عاقل بهذا الشئ فإن قلنا وافق الامام على ذلك فقد نسبنا له تجويز الكذب على الله تعالى لأن واحدا من هولاء الاصحاب اللذين افتوا لا بد يكون حكمه خطأ في حال الاختلاف بسبب تفاوت الأفهام . والواقع أن الامام لم يجوز ذلك فعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها؟ فقال: لا، أما إنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل. ) وهذا يبين أن كلام بعض الناس الذين يقولون أن الامام عليه السلام رضي أن يفتي كل واحد من أصحابه حسب فهمه في الوقائع الغير معروفه غير صحيح 

ثامنا : أن تكليف الأئمة لبعص أصحابهم بالافتاء أو الاخذ منهم هذا خاص بهولاء الاصحاب و في زمن الائمة فقط  وليس بعام لكل من هب ودب على مر الزمان حتى تقيسوا عليها بل وجد الائمة في هولاء الاصحاب ما يؤهلهم للقيام بمسؤلية التبليغ عنهم فسمحوا لهم بذلك بالحدود التي وضحوها لهم  . أما أنتم يا فقهائنا الاعزاء فأ نتبهوا لأنفسكم من هذه الدوامة التي وضعتم فيها أنفسكم وعودوا إلى الائمة عليه السلام  

الخلاصة :


يتبن مما وضحناه ان هولاء الاصحاب لم يكونوا يجتهدون بما يفضي إلى الظن كما يفعل المجتهدون في هذا الزمان بل كانوا يبلغون أقوال وروايات الائمة عليهم السلام إلى الناس مع ما فيها من أحكام  ولم يجتهدوا بأراء أو أصول العقلية . بل كان يطلق عليهم فقهاء ورواة حديث لذلك فالمجتهدين اليوم يدافعون عن الاجتهاد المأخوذ من المخالفين ويحاولون بشتى الطرق لزق هذا المصطلح بأصحاب الائمة عليهم السلام ويقولون بأن الأئمة سمحوا لهم بذلك  لذا تراهم  يتمسكون بأي قشاية لأثبات ذلك كشبهة ورود كلمة إفتاء والتي تعني لغة التبيان فقط وليس العمل بالاجتهاد المفضي إلى الظن .




تعليقات