قصة النبي يونس عليه السلام بالتفصيل عن الامام جعفر الصادق عليهم وهي من أعجب القصص التي مرت علي لذلك نقلتها لكم لكي تستمتوا بهذه الحكاية ففيها العبرة والتسلية في نفس الوقت لقول الله تعالى في القران ( لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) و قال أيضا ( ﴿ وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ) صدق الله العلي العظيم .
قصة يونس على لسان الامام الصادق عليه السلام
قال: فأوحى الله إلى يونس أن فيهم الحمل والجنين والطفل والشيخ الكبير والمرأة الضعيفة والمستضعف المهين، وأنا الحكم العدل، سبقت رحمتى غضبى لا أعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك، وهم يا يونس عبادى وخلقى وبريتى في بلادى وفى عيلتى احب أن أتأناهم وأرفق بهم وانتظر توبتهم، وانما بعثتك إلى قومك لتكون حيطا عليهم تعطف عليهم لسخاء الرحمة الماسة منهم، وتأنأهم برأفة النبوة فاصبر معهم باحلام الرسالة، وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوى العالم بمداواة الدواء، فخرقت بهم ولم تستعمل قلوبهم بالرفق ولم تسسهم بسياسة المرسلين، ثم سألتنى عن سوء نظرك العذاب لهم عند قلة الصبر منك وعبدى نوح كان أصبر منك على قومه، وأحسن صحبة وأشد تأنيا في الصبر عندى، وأبلغ في العذر فغضبت له حين غصب لى، وأجبته حين دعانى.
فقال يونس: يارب انما غضبت عليهم فيك، وانما دعوت عليهم حين عصوك فوعزتك لا أتعطف عليهم برأفة أبدا ولا أنظر اليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم و تكذيبهم اياى، وجحدهم نبوتى، فأنزل عليهم عذابك فانهم لا يؤمنون أبدا. فقال الله: يا يونس انهم مائة ألف او يزيدون من خلقى يعمرون بلادى ويلدون عبادى ومحبتى ان أتأناهم للذى سبق من علمى فيهم وفيك، وتقديرى وتدبيرى غير علمك وتقديرك، وانت المرسل وأنا الرب الحكيم وعلمى فيهم يا يونس باطن في الغيب عندى لا يعلم ما منتهاه، وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له، يا يونس قد أجبتك إلى ما سئلت من إنزال العذاب عليهم وما ذلك يا يونس بأوفر لحظك عندى، ولا اجمل لشأنك، وسيأتيهم العذاب في شوال يوم الاربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس فأعلمهم ذلك.
قال فسر ذلك يونس ولم يسوئه ولم يدر ما عاقبته وانطلق يونس إلى تنوخا العابد فأخبره بما أوحى الله اليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم، وقال له: انطلق حتى اعلمهم بما أوحى الله الي من نزول العذاب، فقال تنوخا: فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم حتى يعذبهم الله، فقال له يونس: بل نلقى روبيل فنشاوره فانه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوة فانطلقا إلى روبيل فأخبره يونس بما أوحى الله اليه من نزول العذاب على قومه في شوال يوم الاربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس فقال له: ماترى انطلق بنا حتى أعلمهم ذلك، فقال له روبيل: ارجع إلى ربك رجعة نبى حكيم ورسول كريم، واسئله أن يصرف عنهم العذاب فانه غنى عن عذابهم و هو يحب الرفق بعباده وما ذلك بأضر لك عنده، ولا اسوأ لمنزلتك لديه، ولعل قومك بعد ما سمعت ورأيت من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوما فصابرهم وتأناهم، فقال له تنوخا: ويحك يا روبيل [ على ] ما أشرت على يونس وامرته به بعد كفرهم بالله وجحدهم لنبيه وتكذيبهم اياه واخراجهم اياه من مساكنه، وما هموا به من رجمه فقال روبيل لتنوخا: اسكت فانك رجل عابد لا علم لك.
ثم اقبل على يونس فقال: ارأيت يا يونس اذا أنزل الله العذاب على قومك انزله فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا ويبقى بعضا؟ فقال له يونس: بل يهلكهم الله جميعا وكذلك سألته ما دخلتنى لهم رحمة تعطف فأرجع الله فيهم وأسئله ان يصرف عنهم فقال له روبيل: أتدرى يا يونس لعل الله اذا أنزل عليهم العذاب فأحسوا به، ان تتوبوا اليه ويستغفروه فيرحمهم فانه أرحم الراحمين ويكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن الله انه ينزل عليهم العذاب يوم الاربعاء فتكون بذلك عندهم كذابا.
فقال له تنوخا: ويحك يا روبيل لقد قلت عظيما يخبرك النبى المرسل ان الله أوحى اليه بان العذاب ينزل عليهم فترد قول الله وتشك فيه وفى قول رسوله؟ ! اذهب فقد حبط عملك، فقال روبيل لتنوخا: لقد فشل رأيك ثم اقبل على يونس فقال: انزل الوحى والامر من الله فيهم على ما أنزل عليك فيهم من انزال العذاب عليهم، وقوله الحق، أرايت اذا كان ذلك فهلك قومك كلهم وخربت قريتهم أليس يمحو الله اسمك من النبوة وتبطل رسالتك وتكون كبعض ضعفاء الناس، ويهلك على يديك مائة ألف او يزيدون من الناس، فأبى يونس أن يقبل وصيته فانطلق ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد، ورجع يونس إلى قومه فأخبرهم ان الله أوحى اليه انه منزل العذاب عليكم يوم الاربعاء في شوال في وسط الشهر بعد طلوع الشمس، فردوا عليه قوله فكذبوه واخرجوه من قريتهم اخراجا عنيفا فخرج يونس ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد واقاما ينتظران العذاب، واقام روبيل مع قومه في قريتهم حتى اذا دخل عليهم شوال صرخ روبيل بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم انا روبيل شفيق عليكم الرحيم بكم [ إلى ربه قد أنكرتم عذاب الله ] هذا شوال قد دخل عليكم وقد دخل عليكم وقد أخبركم يونس نبيكم ورسول ربكم ان الله اوحى اليه ان العذاب ينزل عليكم في شوال في وسط الشهر يوم الاربعاء بعد طلوع الشمس، ولن يخلف الله وعده رسله، فانظروا ما انتم صانعون فأفزعهم كلامه ووقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب، فأجفلوا نحو روبيل وقالوا له: ماذا أنت مشير به علينا يا روبيل؟ فانك رجل عالم حكيم لم نزل نعرفك بالرقة (الرأفة خ ل) علينا والرحمة لنا، وقد بلغنا ما اشرت به على يونس فينا: فمرنا بأمرك واشر علينا برأيك، فقال لهم روبيل: فانى ارى لكم واشير عليكم ان تنظروا وتعمدوا اذا طلع الفجر يوم الاربعاء وسط الشهر ان تعزلوا الاطفال عن الامهات في اسفل الجبل في طريق الاودية، وتقفوا النساء في سفح الجبل [ وكل المواشى جميعا عن أطفالها ] ويكون هذا كله قبل طلوع الشمس [ فاذا رايتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق ] فعجوا عجيج الكبير منكم والصغير بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله والتوبة اليه والاستغفار له، وارفعوا رؤسكم إلى السماء وقولوا: ربنا ظلمنا أنفسنا وكذبنا نبيك وتبنا اليك من ذنوبنا، وان لمن تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين، فاقبل توبتنا وارحمنا يا أرحم الراحمين ثم لا تملوا من البكاء والصراخ والتضرع إلى الله والتوبة اليه حتى توارى الشمس بالحجاب او يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك.
فأجمع رأى القوم جميعا على أن يفعلوا ما اشار به عليهم روبيل، فلما كان يوم الاربعاء الذى توقعوا فيه العذاب تنحى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم و يرى العذاب اذا نزل، فلما طلع الفجر يوم الاربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به فلما بزغت الشمس اقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير وحفيف و هدير فلما رأوها عجوا جميعا بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله وتابوا اليه واستغفروه وصرخت الاطفال بأصواتها تطلب امهاتها، وعجت سخال البهايم تطلب الثدى وعجت الانعام تطلب الرعى، فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان ضجيجهم (صيحتهم خ ل) وصراخهم ويدعوان الله عليهم بتغليظ العذاب عليهم، وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ويرى ما نزل وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم. فلما ان زالت الشمس وفتحت أبواب السماء وسكن غضب الرب تعالى رحمهم الرحمن فاستجاب دعائهم وقبل توبتهم واقالهم عثرتهم، وأوحى الله إلى اسرافيل عليه السلام ان اهبط إلى قوم يونس فانهم قد عجوا إلى البكاء والتضرع وتابوا إلى واستغفرونى فرحمتهم وتبت عليهم، وانا الله التواب الرحيم اسرع إلى قبول توبة عبدى التائب من الذنوب وقد كان عبدى يونس ورسولى سألنى نزول العذاب على قومه وقد أنزلته عليهم، وأنا الله أحق من وفى بعهده وقد أنزلته عليهم، ولم يكن اشترط يونس حين سألنى ان أنزل عليهم العذاب ان أهلكهم فأهبط اليهم فأصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابى، فقال اسرافيل: يارب ان عذابك قد بلغ أكتافهم وكاد ان يهلكهم وما أراه الا وقد نزل بساحتهم فالى اين أصرفه؟ فقال الله: كلا انى قد أمرت ملائكتى ان يصرفوه (يوقفوه خ ل) فلا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمرى فيهم وعزيمتى فاهبط يا اسرافيل عليهم واصرفه عنهم واصرف به إلى الجبل بناحية مفاوض العيون ومجارى السيول في الجبال العاتية العادية المستطيلة على الجبال فاذلها به ولينها حتى تصير ملينة حديدا جامدا.
فهبط اسرافيل عليهم فنشر اجنحته فاستاق بها ذلك العذاب حتى ضرب بها الجبال التى أوحي الله اليه أن يصرفه اليها، قال أبوجعفر عليه السلام: وهى الجبال التى بناحية الموصل اليوم، فصارت حديدا إلى يوم القيمة، فلما رأى قوم يونس ان العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤس الجبال وضموا اليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم، وحمدوا الله على ما صرف عنهم، وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما التى كانا فيه لا يشكان ان العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا، لما خفيت أصواتهم عنهما، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظران إلى ما صار اليه القوم فلما دنوا من القوم واستقبلتهم الحطابون والحمارة والرعاة باغنامهم ونظروا إلى أهل القرية مطمئنين قال يونس لتنوخا: يا تنوخا كذبنى الوحى وكذبت وعدى لقومى لا وعزة ربى لا يرون لى وجها أبدا بعد ما كذبنى الوحى
فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه ناحية بحر ايلة متنكرا فرارا من أن يراه أحد من قومه، فيقول له: يا كذاب، فلذلك قال الله: (وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه) الاية ورجع تنوخا إلى القرية فلقى روبيل فقال له: يا تنوخا أى الرأيين كان أصوب وأحق ان يتبع رأيى أو رأيك؟ فقال له تنوخا: بل رأيك كان أصوب، ولقد كنت اشرت برأى الحكماء والعلماء، وقال له تنوخا: اما انى لم أزل أرى انى أفضل منك لزهدى وفضل عبادتى، حتى استبان فضلك بفضل علمك وما أعطاك الله ربك من الحكمة مع ان التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم، فأصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما ومضى يونس على وجهه مغضبا لربه، فكان من قصته ما أخبر الله به في كتابه إلى قوله: (فآمنوا فمتعناهم إلى حين) قال أبوعبيدة قلت لابى جعفر عليه السلام: كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع اليهم بالنبوة والرسالة فآمنوا به وصدقوه؟ قال: أربعة اسابيع سبعا منها في ذهابه إلى البحر، وسبعا منها في رجوعه إلى قومه، فقلت له: وما هذه الاسابيع شهور او ايام او ساعات؟ فقال: يا با عبيدة ان العذاب اتاهم يوم الاربعاء في النصف من شوال، و صرف عنهم من يومهم ذلك، فانظلق يونس مغاضبا، فمضى يوم الخميس سبعة أيام في مسيره إلى البحر، وسبعة ايام في بطن الحوت، وسبعة أيام تحت الشجرة بالعراء وسبعة ايام في رجوعه إلى قومه، فكان ذهابه ورجوعه مسير ثمانية وعشرين يوما ثم أتاهم فآمنوا به وصدقوه واتبعوه، فلذلك قال الله (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى ( تفسبر العياشي ج٢ ص١٢٩
تعليقات
إرسال تعليق