إن علم الرجال الذي يطلق عليه ( تراجم الرجال ) هو تاريخ ولا شئ فيه ، أما في تصحيح وتضعيف الروايات فهو ليس كما أمر القرآن الكريم ومنهج أهل البيت عليهم السلام بكل ما تعنيه الكلمة لأن الله سبحانه وتعالى أمر بتأكد من الخبر المنقول الذي جاء به هذا الرجل أو ذاك سواءا كان فاسقا أو غير فاسق ، قال تعالى ( وإذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) سورة الحجرات . لاحظوا كلمة فتبينوا أي تأكدوا من الخبر هل هو صحيح أم غير صحيح مع إن الذي جاء بالخبر رجل فاسق عند الله سبحانه وتعالى ومع ذلك أمرهم بالتأكد منه ولم يحكم عليه بالبطلان والكذب كما يفعل علماء رجال الحديث يكذبونه لمجرد أن الذي جاء به فاسق بدون أن يتاكدوا هل الخبر صحيح أم لا وهذا يخالف ما جاء في القرآن الكريم .
قاعدة علم رجال الحديث هشه ومضطربة :
فعالم رجال الحديث لمجرد أن يكون ناقل الحديث مجهولا فقط يضعف الحديث ولا يؤخذ به رغم أن الحديث صحيح وموافق للقرآن والسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بل لا يوجد قاعدة ثابته لهذا العلم فما هو ثقة عند فلان عند فلان آخر من علماء الرجال ليس بثقة وما هو مجهول عند فلان غير مجهول عند الآخر وعلماء الرجال هولاء أيضا تتحكم بهم لاهواء الشخصة والتعصبات المذهبية والنسيان والمرض والوهم والمزاج الشخصي والفهم الخاطئ إلى غير ذلك من المشاحنات والاضطربات المختلفة .
كما أن المجهول عندهم محكوم على ما جاء به من أخبار بالأعدام رغم أن المجهول هذا قد يكون ثقة وقد يكون غير ثقة ولكن سوء الظن يغلب على الناس دائما كما قال الشاعر ( إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه .. واصبح في شك من الليل مظلم ) لذلك فالعبرة في المتن أو الخبر هو الذي نحكم من خلاله هل هو من النبي وآله الطاهرين أم لا . فقد قال الله تعالى في الآية التي ذكرناها آنفا فتبينوا من الخبر صحيح أم لا ، كي لا تندموا فيما بعد لرفضكم التثبت من الخبر لمجرد أن الذي جاء به فاسق فكيف بالمجهول الذي لا يُعلم عن شانه شئ ، ولكن للأسف عصوا أمر الله تعالى بالتثبت من الخبر وحكموا على الكثير من حديث أهل البيت بالتضعيف وعدم الأخذ بها فسيندمون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
منهج أهل البيت في قبول الحديث القاعدة الاولى :
لذلك أمرنا اهل البيت عليهم الصلاة والسلام بعدم الأخذ من العامة وتقليدهم في مناهجهم الأصوليه والرجالية المضطربة لأن في ذلك تدمير لحديث أهل البيت عليهم السلام وتأصيل للأخذ منهم وهل البيت عليهم السلام لهم منهجهم الخاص في قبول الاحاديث والروايات الواردة عنهم وقد وضحوها لنا فلسنا نحتاج لعلم الجرح والتعديل الاصولي .
عن أبي عبد الله عليه السلام خطب رسول الله صلى الله عليه وآله بمنى فقال : أيها الناس ما جائكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله ) الكافي ج1 ص69 . وها هو النبي الكريم : لم يقل أنظروا من روى الحديث بل قال أنظروا مضمون الحديث أو المتن إذا وافق القرآن أقبلوه مهما كانت صفة الراوي ، وإذا خالفه لا تقبلوه مهما كانت صفة الراوي . فالمهم عند النبي صل الله عليه وآله هو المتن وليس السند .
وعن أيوب بن الحر قال : سمعت أبو عبدالله عليه السلام يقول : كل شئ مردود الى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) وسائل الشيعة ج27 ص111 . وهنا يأمر الامام بعرض الحديث على القرآن والسنة المتواترة ولم يقل أنظروا سند الحديث فإن كان كذا فاقبلوه أو كان كذا لا تقبلوه . بل لم يهتم عليه السلام بالسند بتاتا.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به ) تحريرات في الاصول ج6 ص436 . وهنا يصرح الامام بعدم أهمية السند مهما كانت صفته أمام مضمون الرواية التي تمثل الاهمية القصوى عند النبي وآله الطاهرين لا كما يفعل علماء الرجال يعاكسون كلام النبي والأئمة الطاهرين .
القاعدة الثانية عند أهل البيت في قبول أحاديثهم :
كان اتباع مدرسة الخلفاء كثيرا ما يسألون أئمة أهل البيت عن تلك المسائل في مجالس عامة حيث لم يكن بمقدور الأئمة حينذاك أن يبينوا حكم الله وسنة الرسول في مورد السؤال والذي كان مخالفا لاجتهاد مدرسة الخلفاء ، صونا لدمائهم ودماء شيعتهم ، وكانوا مكرهين أحيانا على الإجابة بما يوافق رأي مدرسة الخلفاء ، حتى إذا اتيح لهم فرصة الإجابة دونما تقية ، بينوا حكم الله وسنة الرسول في المسألة فمن ثم ورد بعض الأحاديث عنهم في مسألة واحدة مختلفة في بيان الحكم كما صرح به الإمام الصادق وقال : ما سمعته مني يشبه قول الناس فيه التقية ، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه .) وسائل الشيعية ج18 ص88 وقال ( إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه ، فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه .) وسائل الشعية - وهكذا ذكر الأئمة هذه القاعدة مع بيان علتها وأحيانا غير معللة ،
أما في بيان العلة للإيضاح مارواه الصادق عليه السلام في تعليل ذلك أنه قال : أتدري لم أًمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة ؟ فقلت : لا أدري فقال : إن عليا (ع ) لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الامة إلى غيره إرادة لابطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين ( ع ) عن الشئ الذي لا يعلمون فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس ) علل الشرائع ج2 ص 218 . وهذا واضح بسبب عداء معاوية والدولة الاموية للامام علي عليه السلام فكانوا يحاربونه حتى فيما يقول
وكذلك ما فعلته الدولة العباسية من عداء للأئمة عليهم السلام حتى أنهم كانوا يشجعون بعض الفقهاء لكي يخالفوا الأئمة عليهم السلام نكاية بهم لكي يصدوا الناس عنهم . ومن هولاء الفقهاء ابو حنيفة ( فقد كان يقول قال علي وأنا اقول خلافا لقوله ، وحكى عنه أنه كان يقول خالفت جعفر بن محمد في جميع أقواله وفتاواه ولم يبقى إلا حالة السجود فما أدري أنه يغمض عينه أو يفتحهما حتى أذهب إلى خلافه وأفتي الناس بنقيض ما فعله ) الكشكول يوسف البحراني ج3 - ص46 ، وفوائد الاصول ج1- ص615
وكذلك ما فعلته الدولة العباسية من عداء للأئمة عليهم السلام حتى أنهم كانوا يشجعون بعض الفقهاء لكي يخالفوا الأئمة عليهم السلام نكاية بهم لكي يصدوا الناس عنهم . ومن هولاء الفقهاء ابو حنيفة ( فقد كان يقول قال علي وأنا اقول خلافا لقوله ، وحكى عنه أنه كان يقول خالفت جعفر بن محمد في جميع أقواله وفتاواه ولم يبقى إلا حالة السجود فما أدري أنه يغمض عينه أو يفتحهما حتى أذهب إلى خلافه وأفتي الناس بنقيض ما فعله ) الكشكول يوسف البحراني ج3 - ص46 ، وفوائد الاصول ج1- ص615
القاعدة الثالثة في قبول حديثهم :
وفي حديث الامام الرضا عليه السلام وقد سئل يوما عندما اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله ( ص ) في الشئ الواحد فقال ( ع ) : إن الله حرم حراما وأحل حلالا وفرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرم الله أو في تحريم ما أحل الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك ما لا يسع الأخذ به ، لان رسول الله ( ص ) لم يكن ليحرم ما أحل الله ولا ليحلل ما حرم الله ولا ليغير فرائض الله وأحكامه ، كان في ذلك كله متبعا مسلما مؤديا عن الله ، وذلك قول الله ( ان أتبع إلا ما يوحى إلى ) " فكان ( ع ) متبعا لله مؤديا عن الله ما أمره به من تبليغ الرسالة ، قلت : فانه يرد عنكم الحديث في الشئ عن رسول الله ( ص ) مما ليس في الكتاب وهو في السنة ثم يرد خلافه .
فقال : كذلك قد نهى رسول الله ( ص ) عن أشياء نهى حرام فوافق في ذلك نهيه نهى الله ، وأمر بأشياء فصار ذلك الأمر واجبا لازما كعدل فرائض الله فوافق في ذلك أمره أمر الله ، فما جاء في النهي عن رسول الله ( ص ) نهى حرام ثم جاء خلافه لم يسع استعمال ذلك ، وكذلك فيما أمر به ، لانا لا نرخص فيما لم يرخص فيه رسول الله ( ص ) ولا نأمر بخلاف ما أمر به سول الله ( ص ) إلا لعلة خوف ضرورة ، فأما أن نستحل ما حرم رسول الله ( ص ) أو نحرم ما استحل رسول الله ( ص ) فلا يكون ذلك أبدا ، لانا تابعون لرسول الله ( ص ) مسلمون له كما كان رسول الله ( ص ) تابعا لأمر ربه مسلما له ، وقال الله عزوجل : " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ") وإن الله نهى عن أشياء ليس نهى حرام بل إعافة وكراهة ، وأمر بأشياء ليس بأمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدين ، ثم رخص في ذلك للمعلول وغير المعلول ، فما كان عن رسول الله ( ص ) نهى إعافة ( 1 ) أو أمر فضل فذلك الذي يسع استعمال الرخصة فيه ،
الشاهد : إذا ورد عليكم عنا الخبر فيه باتفاق يرويه من يرويه في النهى ولا ينكره وكان الخبران صحيحين معروفين باتفاق الناقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعا أو بأيهما شئت وأحببت ، موسع ذلك لك من باب التسليم لرسول الله ( ص ) والرد إليه وإلينا وكان تارك ذلك من باب العناد والإنكار وترك التسليم لرسول الله ( ص ) مشركا بالله العظيم ، فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله ( ص ) فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهى حرام ومأمورا به عن رسول الله ( ص ) أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهى رسول الله ( ص ) وأمره ، وما كان في السنة نهى إعافة أو كراهة ثم كان الخبر الأخير خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله ( ص ) وكرهه ولم يحرمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا وبأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد إلى رسول الله ( ص ) ، وما لم تجدوه في شئ من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا ) عيون أخبار الرضا ج2 ص20 .
الخلاصة :
أن علم الرجال المعمول به في تصحيح وتضعيف الاحاديث ( علم الجرح والتعديل ) لم يرد في القرآن الكريم ولا عن النبي وأهل بيته الطاهرين ونلاحظ أن اهل البيت عليهم السلام لم يرد في منهجهم الاهتمام بالكبير بالسند وجعله العمدة عندهم في قبول الحديث كما لم يرد في منهجهم أيضا تقاسيم الحديث التي يعمل بها الناس وهي في الأصل مأخوذة من العامة وعمل بها علماء الشيعة الأصوليون متأثرين بهم لعدة أسباب منها التعيير والمخاطة وتركوا للاسف منهج اهل البيت عليهم السلام .
تعليقات
إرسال تعليق